منجم السكري للذهب في مصر

 

منجم السكري للذهب في مصر: كنز ثمين في قلب الصحراء ودليل ميداني


 مقدمة

منجم السكري هو أكبر وأهم منجم لاستخراج الذهب في مصر، ويُعد من أكبر مناجم الذهب في العالم من حيث الاحتياطي والإنتاج. يقع هذا المنجم في قلب الصحراء الشرقية، بالقرب من مدينة مرسى علم على البحر الأحمر. لا يمثل هذا المنجم فقط مصدرًا اقتصاديًا ضخمًا للدولة المصرية، بل يعتبر أيضًا نموذجًا جغرافيًا وجيولوجيًا بالغ الأهمية لكل من يعمل في مجال التنقيب عن الذهب، سواء على المستوى الصناعي أو اليدوي.


الموقع الجغرافي والجيولوجي

يقع منجم السكري على بعد حوالي 30 كيلومترًا جنوب غرب مدينة مرسى علم في محافظة البحر الأحمر. وهو ضمن نطاق ما يُعرف بـ "الحزام النوبي العربي"، وهو أحد أغنى الأحزمة الجيولوجية بالمعادن الثمينة في العالم، ويمتد من مصر والسودان إلى السعودية واليمن.

جيولوجيًا، يقع المنجم في بيئة جبلية مليئة بالصخور النارية والمتحولة، وبالخصوص صخور الديوريت، الجرانيت، الشست، والكوارتزيت. وهذه الصخور هي حواضن نموذجية للذهب، حيث يتواجد الذهب غالبًا داخل عروق الكوارتز أو مرتبطًا بمعادن الكبريتيدات.


تاريخ الاكتشاف والتطوير

يعود تاريخ اكتشاف الذهب في منطقة السكري إلى العصور الفرعونية، حيث توجد دلائل أثرية تشير إلى وجود مناجم قديمة كانت تُستغل لاستخراج الذهب في تلك المنطقة. ومع ذلك، فإن الاستغلال الصناعي الحديث بدأ فعليًا في أواخر التسعينيات، عندما بدأت شركة "سنتامين مصر" – وهي شركة تابعة لشركة سنتامين العالمية – عمليات الاستكشاف والتطوير بعد الحصول على ترخيص من هيئة الثروة المعدنية المصرية.

وبدأت عمليات الإنتاج الفعلي للذهب من المنجم في عام 2009، ومنذ ذلك الحين أصبح المنجم أحد ركائز الاقتصاد التعديني في مصر.


الإنتاج والاحتياطي

يُقدر احتياطي منجم السكري بحوالي 12 مليون أوقية (أونصة) من الذهب، وربما أكثر حسب التحديثات الأخيرة. وقد تجاوز الإنتاج التراكمي للمنجم منذ تشغيله أكثر من 5 ملايين أوقية حتى عام 2024، مع طموحات لزيادة الإنتاج السنوي الذي يدور حالياً حول 500,000 أوقية سنويًا.

تُستخدم في المنجم تقنيات حديثة جدًا في الاستخلاص، تشمل:

  • التكسير والطحن: لتحويل الصخور إلى مسحوق.
  • الترشيح السياني: باستخدام السيانيد لاستخلاص الذهب.
  • المعالجات الكيماوية والفيزيائية: لفصل الذهب عن الشوائب.

أهمية منجم السكري للاقتصاد المصري

يمثل المنجم مصدر دخل مهم لخزينة الدولة من خلال:

  • الإتاوات والضرائب المفروضة على الشركة.
  • حصة الدولة في الإنتاج الصافي والتي تصل إلى 50% بعد استرداد التكاليف.
  • توفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة لآلاف العمال والمهندسين.

كما ساعد المنجم في إعادة وضع مصر على خريطة الذهب العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع التعدين.


الدروس الجيولوجية للمنقبين التقليديين

للمُنقبين التقليديين واليدويين، منجم السكري يمثل دراسة حالة مهمة جدًا لفهم التكوينات الجيولوجية التي تدل على وجود الذهب. وأهم ما يمكن تعلمه من هذا المنجم:

1. التعرف على العروق الحاملة للذهب

الذهب غالبًا ما يكون مرتبطًا بعروق الكوارتز الأبيض، خاصة إذا كان هناك تغير لوني أو أكسدة على سطح العرق.

وجود الكبريتيدات مثل البيريت (الذهب الكاذب) قد يدل على بيئة مناسبة لتكوين الذهب، إذ يكون الذهب أحيانًا دقيقًا جدًا ومتداخلًا مع البيريت.

2. الصخور المضيفة

الصخور النارية والمتحولة مثل الشست والجرانيت هي الأكثر احتضانًا للذهب.

التراكيب الجيولوجية مثل الطيات والفوالق تعتبر مؤشرات ممتازة لأنها توفر مسارات لتدفق المحاليل المعدنية.

3. اللون والتجوية

التغير في لون الصخور إلى الأحمر أو الأصفر يدل على تأكسد المعادن، وقد يكون ذلك علامة على وجود الذهب قرب السطح.

التربة الغنية بأكاسيد الحديد والمنغنيز غالبًا ما تكون مصاحبة لمناطق الذهب.


إرشادات للمنقبين في مصر

إذا كنت من المهتمين بالتنقيب اليدوي عن الذهب، فإليك بعض النصائح المستخلصة من تجربة السكري:

  • ابدأ بدراسة الصور الفضائية والخرائط الجيولوجية للمنطقة التي تنوي التنقيب فيها.
  • اعتمد على جهاز كشف معادن احترافي قادر على التمييز بين الذهب والمعادن الأخرى.
  • افحص الصخور ميدانيًا باستخدام عدسة يدوية أو كاشف الذهب المحمول، مع التركيز على عروق الكوارتز والأماكن التي تتجمع فيها المياه أو الأودية.
  • احذر من المخالفات القانونية، إذ إن التنقيب العشوائي بدون ترخيص يعرضك للعقوبات.

البيئة والسلامة

شركة السكري تطبق معايير عالية في السلامة والصحة المهنية، كما تهتم بالحد من التأثيرات البيئية الناتجة عن عمليات التعدين. من المهم لأي منقب أيضًا أن:

  • يتبع إجراءات الأمان عند التعامل مع المتفجرات أو المواد الكيميائية.
  • يتجنب تدمير البيئة المحلية أو تلويث مصادر المياه.

خاتمة

منجم السكري ليس مجرد مصدر اقتصادي لمصر، بل هو كنز علمي وجيولوجي يقدم دروسًا قيّمة لأي شخص يعمل أو يطمح للعمل في مجال التنقيب عن الذهب. فهم الجيولوجيا المحلية، ودراسة الأساليب المستخدمة، يمكن أن يشكل فرقًا كبيرًا في نجاح أي عملية تنقيب. وبينما تستمر مصر في تطوير قطاع التعدين، يبقى منجم السكري نموذجًا يحتذى به في استغلال الموارد الطبيعية بشكل احترافي وآمن.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال