منجم أقا للذهب بالمغرب: كنز جيولوجي ودليل ميداني
مقدمة
يُعدّ منجم أقا للذهب، الواقع في إقليم طاطا جنوب شرق المغرب، من أبرز المناجم النشطة التي أنتجت الذهب في المملكة خلال العقود الأخيرة. إلا أن أهميته لا تقتصر فقط على الإنتاج الصناعي، بل تتعدى ذلك إلى كونه مؤشرًا جغرافيًا وجيولوجيًا ذا قيمة كبيرة .
في هذا الموضوع، سنقدم شرحًا شاملاً حول المنجم من حيث:
- التكوينات الجيولوجية الحاملة للذهب،
- الدلائل السطحية والبصرية التي قد تشير إلى وجود الذهب،
- نصائح عملية ميدانية للمنقبين،
- وأخيرًا، كيف يمكن الاستفادة من تاريخ المنجم لاستكشاف مناطق جديدة.
الموقع الجغرافي والجيولوجي:
- يقع منجم أقا جنوب الأطلس الصغير، وهي منطقة تشتهر بتركيبتها الجيولوجية القديمة والمعقدة، وتشكل بيئة مثالية لتكوّن الذهب عبر العصور الجيولوجية.
التكوينات الحاضنة للذهب:
- صخور الشيست والصخور البركانية القديمة (تعود إلى عصر البروتيروزوي الأسفل).
- فوالق وتصدعات تعتبر ممرات رئيسية لتركيز الذهب.
- وجود كاربونات متأكسدة (oxidized carbonate rocks) مغطاة بترسيبات سطحية.
ما يعنيه هذا:
- وجود ذهب مرتبط بالصخور الصلبة، وليس في شكل رواسب نهرية (أي أن أغلب الذهب في أقا من النوع الأولي وليس "الغريني").
تاريخ المنجم: مؤشر غني للدروس الميدانية
- بدأ استغلال منجم أقا بشكل صناعي في أوائل الألفينات، تحت إدارة شركة "مناجم"، وأنتج أكثر من 15 طنًا من الذهب على مدى سنوات.
الدروس المستخلصة :
- أن الكميات الكبيرة لا تعني بالضرورة بقاء الذهب في السطح، لكن آثار الاستغلال تشير إلى وجود جيوب غير مكتشفة بالكامل في المناطق الجانبية.
- وجود في مناطق حول المنجم أكوام قديمة من النفايات الصخرية (tailings)، فهي قد تحتوي على تركيزات بسيطة من الذهب لم تُستخرج جيدًا سابقًا.
دلائل وجود الذهب في محيط المنجم:
1. الألوان والتأكسدات
- الصخور التي بها بقع صدئة (iron oxide) أو خطوط بيضاء وداكنة متشابكة تشير إلى وجود معادن كبريتية متحللة، وهي بيئة مناسبة للذهب.
2. التواجد مع الكوارتز
- الذهب غالبًا ما يتواجد داخل عروق الكوارتز الأبيض أو الوردي، خاصة إذا كان الكوارتز يحتوي على نقاط سوداء (بيريت أو أرسينوبيريت).
3. الكبريتيدات
- ملاحظة وجود الكبريتيد الأصفر (بيريت)، أو الرمادي (غالينا، سفاليريت)، قد يكون مؤشرا إيجابيًا.
4. المغناطيسية الضعيفة
- الصخور الغنية بأكسيد الحديد تكون قابلة لجذب المغناطيس أحيانًا، وهي غالبًا مرتبطة بنشاطات حرارية مائية
ظروف تكوّن الذهب في الأطلس الصغير المغربي
يُعتبر الأطلس الصغير (Anti-Atlas) أحد أقدم التكوينات الجيولوجية في المغرب، ويُعد من أغنى المناطق من حيث تواجد الذهب والمعادن الأساسية مثل النحاس، الفضة، والزنك.
هذه المنطقة تشكلت عبر مئات الملايين من السنين، وشهدت نشاطًا بركانيًا وتكتونيًا هائلًا، وهو ما وفر بيئة مثالية لتراكم وتكوين المعادن النفيسة، وعلى رأسها الذهب.
🧬 1. السياق الجيولوجي العام للأطلس الصغير
يتكون الأطلس الصغير من سلاسل جبلية قديمة تشكلت خلال حقب الدهر السحيق (Proterozoic) والعصر الكامبري (Cambrian).
يضم المنطقة صخورًا نارية وبركانية ورسوبية متحولة، تخترقها صدوع وتشققات قديمة.
تعرضت هذه الصخور إلى عدة مراحل من الانضغاط والانفصال الجيولوجي، ما أدى إلى فتح مسارات لتسرب المحاليل الحرارية المائية الغنية بالمعادن.
🧪 2. آلية تكوّن الذهب في الأطلس الصغير
الذهب في الأطلس الصغير ليس موجودًا في حالته الحرة فقط، بل يتكون غالبًا نتيجة نشاط حراري مائي معقد، ويمكن تلخيص ظروف التكوين فيما يلي:
🔥 أ. النشاط البركاني القديم
شهد الأطلس الصغير انفجارات بركانية شديدة خلال العصر البروتيروزوي.
هذه الحمم كانت تحتوي على معادن ثقيلة مذابة، وعندما تبرد وتتحول الصخور البركانية، تبدأ المعادن (ومنها الذهب) في الانفصال والتركيز.
🌡️ ب. المحاليل الحرارية المائية (Hydrothermal Fluids)
بفعل حرارة باطن الأرض، تتسرب المياه المشبعة بالمعادن إلى شقوق الصخور.
هذه المحاليل تنقل الذهب وتترسب به في عروق داخل الصخور الكوارتزية أو الشقوق الرسوبية عند تغير الضغط أو الحرارة.
يُعرف هذا النوع من التكوين بـ"الذهب الأوروجيني" (Orogenic Gold)، وهو الأكثر شيوعًا في الأطلس الصغير
🧩 4. عوامل مهمة تؤثر على توزيع الذهب
2. تغير درجة الحرارة والضغط
– عندما تنخفض الحرارة، تبدأ المعادن الثقيلة مثل الذهب في التبلور والترسيب.
3. التأكسد السطحي
– في المناطق القريبة من السطح، يتأكسد البيريت ويتحول لصدأ (حديد مؤكسد)، وغالبًا ما يكون تحته ذهب حر.
الجانب القانوني: انتبه
رغم أن التنقيب اليدوي يُمارس بكثرة، فإنه غير قانوني بدون رخصة تنقيب رسمية من المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن (ONHYM). يُنصح بتوخي الحذر وتفادي التنقيب في المناطق الصناعية النشطة، وتجنب الدخول إلى أملاك خاصة أو مناطق خاضعة للشركات.
خاتمة: منجم أقا ليس فقط مصدرا للذهب،
ظل منجم أقا للذهب شاهدًا على قدرة المغرب على استغلال ثرواته الطبيعية بطرق صناعية حديثة. وعلى الرغم من التحديات البيئية والاقتصادية، فإنه يمثل نموذجًا مهمًا في مجال التعدين، وركيزة حيوية للتنمية الجهوية. إن مستقبل هذا المنجم سيعتمد على مدى استعداد الدولة والمستثمرين لمواصلة الاستثمار في البحث والتكنولوجيا، وأيضًا على قدرتهم على تحقيق توازن بين استغلال الموارد الطبيعية وحماية البيئة وحقوق السكان المحليين.