منجم هساي للذهب في السودان

 

منجم هساي للذهب في السودان: كنز جيولوجي ودليل ميداني للمنقبين


مقدمة

يُعد منجم هساي من أهم وأغزر المناجم الذهبية في السودان، حيث يقع في منطقة صحراء البحر الأحمر بالقرب من مدينة أرياب، وهو جزء من الحزام المعدني المعروف بثرائه بالمعادن النفيسة، وعلى رأسها الذهب. ويكتسب هذا المنجم شهرة متزايدة بسبب غزارة إنتاجه وسهولة نسبية في أعمال التنقيب اليدوي والصناعي على حد سواء. هذا المقال يقدم لك دليلاً ميدانياً مفصلاً عن منجم هساي، مع إبراز أهميته الجيولوجية والاقتصادية، وأهم المؤشرات والتكوينات التي تهم المنقبين في الميدان.


الموقع الجغرافي والجيولوجي

يقع منجم هساي في ولاية البحر الأحمر، شمال شرق السودان، في منطقة صحراوية نائية لكن يمكن الوصول إليها عبر الطرق الترابية انطلاقًا من مدينة بورسودان أو من مدينة أرياب التي تعتبر مركزًا للتعدين.

من الناحية الجيولوجية، ينتمي منجم هساي إلى تكوينات الدرع العربي النوبي، وهي تكوينات ما قبل الكمبري الغنية بالخامات الفلزية مثل الذهب والنحاس والزنك. وتُعرف هذه المنطقة بتداخل الصخور البركانية والمتحولة، وهو ما يوفر بيئة مثالية لوجود رواسب الذهب من النوع البركاني-الرسوبي (VMS) والماجماوي الحراري.


تاريخ التعدين في منجم هساي

تم اكتشاف الذهب في هساي منذ عقود، لكن نشاط التعدين المنظم بدأ فعليًا في مطلع الألفينات بعد اكتشافات واعدة أظهرت تركيزات عالية من الذهب. وقد شاركت شركات محلية وعالمية، من بينها شركة أرياب للتعدين، في أعمال التنقيب والاستكشاف.

في السنوات الأخيرة، ومع تزايد الاهتمام العالمي بالذهب كملاذ استثماري، تجدد النشاط في هذه المنطقة، خاصة مع دخول شركات صينية وتركية وشراكات سودانية في مجال الاستخراج والتكرير.


الاحتياطي والإنتاج

تشير التقديرات الجيولوجية إلى أن منجم هساي يحتوي على احتياطات هامة من الذهب، تقدر بعشرات الأطنان من المعدن الخالص. ويُنتج المنجم ذهبًا بدرجات تركيز مرتفعة نسبيًا تتراوح بين 6 إلى 12 غرامًا في الطن، مع وجود بعض المناطق ذات تركيزات تفوق ذلك بكثير.

الإنتاج لا يزال في تزايد، خاصة مع توسع الرقعة الجيولوجية المكتشفة بفضل عمليات الحفر الجيوكيميائي والمغناطيسي.


أهمية المنجم للمنقبين التقليديين

يمثل منجم هساي فرصة ذهبية للمنقبين التقليديين (الحرفيين)، بسبب سهولة الوصول إلى بعض المناطق المجاورة للمنجم التي لم تشملها بعد أعمال التعدين الصناعي. وتتميز هذه المناطق بوجود

 مؤشرات سطحية واضحة مثل:

  • الكوارتز الأبيض المحمر المنتشر على السطح.
  • التراكيب الفوق بركانية ذات الألوان الرمادية والبنية.
  • الصخور المؤكسدة التي تميل إلى اللون البرتقالي.
  • الشقوق المحملة بالكبريتات والحديد.

كما أن العديد من الحفر اليدوية التي أجراها المنقبون أظهرت وجود ذهب حر قابل للاستخلاص بطريقة الغربلة أو باستخدام الماء الملكي والمواد الكيماوية كالسيانيد أو الهيدروكلوريك.


المؤشرات الجيولوجية الدالة على الذهب في هساي

للتنقيب الناجح، إليك أبرز المؤشرات الجيولوجية الدالة على وجود الذهب في منجم هساي ومحيطه:

الكوارتز الوريدي (Quartz Veins): غالبًا ما يظهر في هيئة عروق تخترق الصخور القاعدية، وقد يحتوي على شوائب من الكبريتيد أو الذهب الحر.

  • صخور الشست (Schist): المتحولة الغنية بالمعادن، وغالبًا ما تكون مصحوبة بعناصر مثل البيريت والغالينا.
  • التواجد المكثف للبيريت والكوبرآيت: وجود هذين المعدنين قد يكون دليلاً قويًا على التمعدن الحراري الذي ينتج عنه الذهب.
  • الشقوق الصدعية (Fractures): وهي مناطق كسر في الصخور غالبًا ما تتراكم فيها المعادن.
  • المياه الحاملة للمعادن: بعض العيون الصغيرة أو البرك الموسمية قد تحتوي على رواسب ناعمة فيها ذهب.

نصائح للمنقبين في منجم هساي

إذا كنت منقبًا وتخطط للعمل في منطقة هساي، فإليك بعض النصائح العملية:

  • احمل معك جهاز كشف معادن قوي مزود بحساسات للتفريق بين الذهب والمعادن الأخرى.
  • ابحث في المناطق المرتفعة قليلاً حيث أن الرواسب تنجرف مع الأمطار إلى السفوح، لكن التمعدن يبقى غالبًا في النقاط الأصلية.
  • افحص الطبقات المتداخلة بين الكوارتز والصخور الرمادية، فهي غالبًا ما تكون غنية بالذهب.
  • استعن بالخرائط الجيولوجية الحديثة الصادرة عن هيئة الأبحاث الجيولوجية السودانية.
  • استخدم مواد مثل الميتابيسلفيت أو الزنك المسحوق لاستخلاص الذهب من المواد الطينية في حال كانت متوفرة.

التحديات والفرص

رغم الإمكانيات الكبيرة التي يوفرها منجم هساي، هناك بعض التحديات التي قد تواجه المنقبين:

  • قساوة المناخ الصحراوي وارتفاع درجات الحرارة.
  • صعوبة التنقل في بعض الفصول بسبب السيول الموسمية.
  • محدودية الخدمات الأساسية كالماء والاتصالات في المنطقة.
  • لكن هذه التحديات تقابلها فرص واعدة، أهمها:
  • قلة المنافسة في المناطق الجانبية للمنجم.
  • سهولة استخراج الذهب من بعض الطبقات السطحية.
  • دعم الحكومة السودانية لقطاع التعدين التقليدي.

خاتمة

منجم هساي ليس مجرد موقع لإنتاج الذهب، بل هو بيئة غنية بالفرص للمنقبين التقليديين والمحترفين على حد سواء. إن فهم الطبيعة الجيولوجية للمكان ومعرفة المؤشرات الصحيحة، إلى جانب استخدام الأدوات المناسبة، يمكن أن يجعل من التنقيب تجربة ناجحة ومربحة.

ولمن يسعى وراء الثروة المعدنية، فإن هساي يقدم واحدة من أكثر البيئات وعدًا في السودان، وربما في إفريقيا بأسرها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال