منجم أمسماسة للذهب في الجزائر

 

منجم أمسماسة للذهب في الجزائر: كنز الجنوب ومفتاح للفرص الميدانية

مقدمة

في قلب الصحراء الكبرى، وبالضبط في منطقة تمنراست جنوب الجزائر، يقع منجم "أمسماسة" (Amesmessa)، الذي يُعد من أهم مشاريع استخراج الذهب في البلاد. هذه المنطقة النائية والغنية جيولوجيًا ظلت لعقود هدفًا للخبراء والمستثمرين في قطاع التعدين. ويكتسي هذا المنجم أهمية كبيرة ليس فقط من ناحية الاحتياطات والاحتياج الوطني للذهب، بل أيضًا بالنسبة للمنقبين الحرفيين والمستثمرين الصغار، لما يتيحه من مؤشرات ميدانية تدل على وجود معادن نفيسة، يمكن تتبعها أو استثمارها بطرق حديثة أو تقليدية.


الموقع الجغرافي والجيولوجي

يقع منجم أمسماسة في منطقة تمنراست، بالقرب من الحدود الجزائرية مع مالي والنيجر. هذه المنطقة تتميز بتركيبة جيولوجية معقدة تنتمي إلى ما يُعرف بـ"الدرع الأفريقي القديم"، وهي مناطق صخرية تعود إلى العصور الجيولوجية الأولى (الحقبة الأركية والبركامبري)، وتُعرف عالميًا بكونها بيئة غنية بخامات الذهب والمعادن الثمينة الأخرى.

يُظهر التكوين الصخري المحيط بالمنجم أنواعًا من الصخور النارية والمتحولة، مثل الشيست والغرانيت والديوريت، مع تداخلات هامة من الكوارتز الذي يحتوي في كثير من الأحيان على ترسبات ذهبية. هذا يجعل المنطقة بأكملها أرضًا خصبة للتنقيب والاستكشاف، سواء على المستوى الصناعي أو الحرفي.


تاريخ الاستغلال وتطور الإنتاج

بدأ الاهتمام الفعلي بمنجم أمسماسة في أوائل الألفينات، عندما بدأت الحكومة الجزائرية فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية في مجال التعدين. وقد دخلت عدة شركات، من بينها شركة GMA Resources البريطانية، في شراكة مع المؤسسة الجزائرية "ENOR" (المؤسسة الوطنية للبحث والتنقيب عن الذهب)، لاستغلال منجم أمسماسة.

ورغم أن ظروف الإنتاج كانت صعبة بسبب بعد المنطقة ونقص البنية التحتية، فإن المنجم دخل مرحلة الإنتاج التجاري في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وكانت التقديرات الأولية تشير إلى وجود احتياطات معتبرة من الذهب يمكن أن تتجاوز 700 ألف أوقية (أونصة)، مع إمكانية لزيادة الاحتياطات مع مزيد من الحفر والتنقيب.


الخصائص الفنية للمنجم

  • نمط التمعدن: الذهب الموجود في منجم أمسماسة يتميز بكونه من نوع "التمعدن الحر"، أي أنه يوجد غالبًا على شكل شذرات أو جسيمات دقيقة داخل عروق الكوارتز أو الصخور المتشققة، ما يسهل استخراجه نسبيًا بالمقارنة مع الذهب المعقّد المرتبط بكبريتيدات.
  • عمق التمعدن: تشير الدراسات الجيولوجية إلى أن أغلب التمعدن يقع في طبقات قريبة من السطح، وهو ما يجعل التعدين السطحي ممكنًا في أغلب المواقع، ويقلل من التكاليف مقارنة بالتعدين العميق.
  • درجة الذهب (Grade): يتراوح معدل تركيز الذهب في الخام بين 5 و10 غرامات/طن، وهي نسبة تعتبر جيدة جدًا عالميًا وتؤكد جدوى الاستغلال.

فرص للمنقبين الحرفيين

منجم أمسماسة ليس فقط مشروعًا صناعيًا ضخمًا، بل هو أيضًا مؤشر جيولوجي مهم للمنقبين الحرفيين، خاصة لأولئك الذين يعملون في المناطق المجاورة.

مؤشرات جيولوجية يمكن تتبعها:

  • وجود عروق الكوارتز البيضاء المحمّلة بالحديد أو الكبريتيدات.
  • تغير لون الصخور إلى الأحمر الداكن أو البنّي، ما يدل على أكسدة معادن ثقيلة.
  • وجود تربة سوداء مختلطة بأحجار ثقيلة أو لمعان معدني خفيف (تشير أحيانًا للذهب أو الحديد).

طرق الفحص اليدوي التي يمكن استخدامها:

  • استخدام المغناطيس لكشف وجود معادن مرافقة كالحديد.
  • اختبار الكوارتز المائل للاصفرار باستخدام الحرق أو التحميص لفحص بقايا الذهب.
  • استخدام أحواض الماء (صينية التنخيل) للبحث عن شذرات ذهبية صغيرة بعد غسل الرواسب.

تحديات وفرص استثمارية

رغم أهمية منجم أمسماسة، فإن استغلاله يواجه تحديات عديدة أبرزها:

  • البنية التحتية المحدودة: بعد المنطقة عن المراكز الحضرية يصعّب النقل والتموين.
  • المخاطر الأمنية: قربه من مناطق النزاع في الساحل يزيد من أهمية تأمين العمال والمعدات.
  • التغيرات المناخية والحرارة الشديدة: تحد من عمليات العمل الميداني في بعض الفترات.

ومع ذلك، فإن المنطقة توفر فرصًا كبيرة للمنقبين والمستثمرين الذين يملكون أدوات استكشاف حديثة، أو يعتمدون على تجارب ميدانية تقليدية في تحليل الطبقات والتكوينات.


المنجم في إطار السياسة الجزائرية للتعدين

يُعد منجم أمسماسة جزءًا من رؤية الجزائر لتوسيع وتنويع اقتصادها خارج قطاع النفط، من خلال تطوير قطاع التعدين. وقد أعلنت وزارة الطاقة والمناجم عن خطة لتوسيع الاستكشافات في منطقة الجنوب، وتشجيع المستثمرين الوطنيين والدوليين على الدخول في شراكات لاستغلال مناجم الذهب والمعادن الأخرى.

وقد تم ترخيص التنقيب اليدوي المحدود للمنقبين الحرفيين في بعض المناطق الصحراوية منذ 2020، مما جعل منجم أمسماسة نقطة انطلاق لعدد من الفرق الصغيرة التي تنقّب بوسائل تقليدية.


خاتمة

منجم أمسماسة للذهب ليس فقط مشروعًا صناعيًا، بل يمثل خريطة جيولوجية حية للثروات المعدنية في الجنوب الجزائري. وبالنسبة للمنقبين، سواء المحترفين أو الهواة، فإن محيط هذا المنجم يوفر بيئة مثالية للتنقيب والفحص، مستندين إلى الأدلة الجيولوجية والتجريبية على وجود الذهب.

إن معرفة التكوينات الصخرية، وفهم المؤشرات البصرية والفيزيائية للذهب، واستخدام الأدوات المناسبة للفحص اليدوي، كلها عناصر تجعل من منجم أمسماسة مدرسة ميدانية غنية، وفرصة استثمارية واعدة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال