منجم تازيازت للذهب بموريتانيا: العملاق الذهبي في قلب الصحراء ودليل ميداني
مقدمة
تُعدّ موريتانيا من الدول الإفريقية التي تزخر بثروات معدنية هائلة، وعلى رأسها الذهب. ويُعتبر منجم تازيازت الواقع في الشمال الغربي للبلاد من أبرز وأضخم مناجم الذهب ليس فقط على مستوى موريتانيا، بل في إفريقيا بأكملها. تأسس المنجم في بداية الألفية الثانية، ومنذ ذلك الحين أصبح محورًا اقتصاديًا حيويًا وركيزة أساسية من ركائز قطاع التعدين الموريتاني.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على منجم تازيازت من جوانب متعددة: الجيولوجيا، الإنتاج، البنية التحتية، تقنيات التعدين، إضافة إلى معلومات ميدانية مفيدة جدًا للمنقبين التقليديين.
الموقع الجغرافي والجيولوجي
يقع منجم تازيازت على بعد حوالي 300 كم شمال العاصمة نواكشوط، في منطقة صحراوية قاحلة لكنها غنية بالمعادن. وتحديدًا، يوجد المنجم في ولاية إينشيري، وهي منطقة تمتاز بتشكيلات جيولوجية قديمة تعود للعصر الأركي، وهي معروفة باحتوائها على صخور متحولة وصخور الجرانيت، مما يجعلها بيئة مثالية لتكونات الذهب.
الذهب في تازيازت يتواجد ضمن صخور الشيست المتحولة والكوارتزيت، ويظهر غالبًا في عروق كوارتزية حاملة للذهب (vein-type mineralization)، بالإضافة إلى وجود الذهب على هيئة دقائق ناعمة داخل الصخور، مما يجعل استخراجه معقدًا تقنيًا.
تاريخ وتطور المنجم
تم اكتشاف منجم تازيازت في التسعينيات، لكن بدء التشغيل الفعلي كان في عام 2007، من قِبل شركة "Red Back Mining" الكندية، والتي استحوذت عليها لاحقًا شركة "Kinross Gold" الكندية العملاقة سنة 2010.
منذ ذلك الحين، شهد المنجم عدة مراحل توسعة ضخمة، أبرزها المرحلة الثانية (Tasiast Expansion Phase Two) التي هدفت إلى مضاعفة الإنتاج وتوسيع نطاق المعالجة، مما جعله أحد أكبر مشاريع الذهب قيد التشغيل في إفريقيا.
الإنتاج والاحتياطي
يُقدَّر الاحتياطي المؤكد من الذهب في تازيازت بأكثر من 10 ملايين أوقية ذهب (حوالي 310 أطنان)، ما يجعله من أكبر المناجم الإفريقية. الإنتاج السنوي للمنجم تخطّى في بعض السنوات حاجز 500 ألف أوقية، ويُتوقع أن يستمر لعقود قادمة بفضل توسعة العمليات وبروز مؤشرات جيولوجية مشجعة.
البنية التحتية والتقنيات المستخدمة
يعتمد منجم تازيازت على تقنيات تعدين ومعالجة متطورة تشمل:
- الحفر والتفجير في الصخور الصلبة لاستخراج الخامات.
- نقل الخام بالشاحنات الضخمة إلى وحدات التكسير والطحن.
- المعالجة باستخدام السيانيد (CIL - Carbon in Leach) لفصل الذهب من الخام.
- نظام متكامل لإعادة معالجة المياه وتقليل التلوث البيئي.
- تستخدم الشركة معدات ثقيلة حديثة، بما في ذلك شاحنات CAT 793، ومحطات تكرير ذات قدرة معالجة تفوق 21 ألف طن يوميًا.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
ساهم المنجم في خلق الآلاف من فرص العمل للموريتانيين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كما أنه يُمثل أحد أكبر مصادر العملة الصعبة في البلاد. وقد أبرمت شركة Kinross اتفاقيات مع الحكومة الموريتانية تتضمن نسبًا من الأرباح والضرائب، إضافة إلى دعم مشاريع اجتماعية وتنموية في المناطق المجاورة.
فرص وتحديات أمام المنقبين التقليديين
رغم أن منجم تازيازت هو منشأة صناعية عملاقة تعمل على نطاق كبير، إلا أن وجوده في منطقة غنية جيولوجيًا جعل من المناطق المحيطة بيئة مثالية للمنقبين التقليديين، خاصة في المناطق التي تقع خارج نطاق الامتياز الخاص بالشركة.
أهم المؤشرات التي يبحث عنها المنقبون:
- وجود صخور الكوارتز البيضاء أو المائلة إلى الحمرة المليئة بالشقوق الصغيرة.
- الترسبات النهرية القديمة (الغرينية) والتي تُعرف باسم “الوديان الجافة”، حيث تتجمع المعادن الثقيلة مثل الذهب.
- وجود صخور الشيست ذات البنية المتقشرة، فهي مؤشر جيد على بيئات حاملة للذهب.
- الحديد المؤكسد أو "الجوسان" (Gossan)، وهي طبقات حمراء/بنية نتيجة تأكسد الكبريتيدات، وغالبًا ما تدل على وجود رواسب ثمينة تحتها.
أدوات وتقنيات مفيدة للمنقبين
ينصح الخبراء المنقبين باستخدام:
- كواشف المعادن (Metal Detectors) ذات الترددات المنخفضة للبحث السطحي.
- الغسل اليدوي للعينات في الوديان.
- التحليل البسيط للعينات باستخدام حمض النيتريك للكشف عن وجود معادن مختلطة.
- جمع العينات وتحليلها لاحقًا في مختبرات محلية أو عبر تقنيات XRF المحمولة.
القوانين والضوابط المحلية
يجب على المنقبين أن يكونوا على دراية بالقوانين الموريتانية التي تنظم التنقيب التقليدي، فهناك مناطق مرخصة للتنقيب ومناطق ممنوعة (مثل نطاقات الامتياز الخاصة بالشركات الكبرى). تفرض الدولة قيودًا صارمة على استخدام المواد الكيميائية، مثل السيانيد والزئبق، في التنقيب اليدوي.
نظرة مستقبلية
المؤشرات الجيولوجية في محيط منجم تازيازت واعدة جدًا، وهناك تقارير تفيد باحتمال وجود امتدادات للذهب شرق وغرب المنطقة الحالية. وقد بدأت بعض الشركات في استكشاف مناطق مجاورة، مما يعني أن المنطقة قد تتحول إلى حزام ذهبي شبيه بحزام الذهب في مالي وغينيا.
خاتمة
منجم تازيازت ليس مجرد منشأة إنتاج ذهبية، بل هو حجر زاوية في اقتصاد موريتانيا، ودليل حي على الإمكانيات المعدنية الكبيرة في البلاد. بالنسبة للمنقبين، فإن فهم جيولوجيا المنطقة ومؤشراتها يمكن أن يشكل مفتاحًا مهمًا لاكتشافات جديدة.
ينبغي للمنقب أن يتحلى بالصبر والعلم واحترام القوانين، وأن يستثمر في التعلم واستخدام أدوات فعالة للتمييز بين الصخور الحاملة والعديمة الفائدة. وفي ضوء المعطيات الحالية، تظل منطقة تازيازت ومحيطها من أفضل البيئات الواعدة للتنقيب عن الذهب في شمال غرب إفريقي