فصل الذهب عن الحديد والنحاس بالأحماض

 فصل الذهب عن الحديد والنحاس بالأحماض

المقدمة:

يُعدّ الذهب من أندر وأثمن المعادن التي عرفها الإنسان منذ العصور القديمة، ويتميز بلونه الأصفر اللامع وكثافته العالية ومقاومته للتآكل والأكسدة. يوجد الذهب في الطبيعة غالبًا مختلطًا بمعادن أخرى مثل الحديد والنحاس والفضة والرصاص، إما في صورة فلزية أو ضمن خامات كبريتيدية. وللحصول على الذهب النقي، يجب فصل هذه المعادن عنه باستخدام طرق فيزيائية وكيميائية دقيقة.
تُعتبر طريقة الفصل بالأحماض من أكثر الطرق الكيميائية انتشارًا وفعالية، لأنها تعتمد على الاختلاف في النشاط الكيميائي بين الذهب وبقية المعادن.

 فبينما يتفاعل الحديد والنحاس بسهولة مع الأحماض، يبقى الذهب ثابتًا لا يتأثر إلا بخليط قوي من الأحماض يعرف باسم الحمض الملكي.

أولاً: الأساس العلمي لعملية الفصل:

تعتمد فكرة الفصل على مبدأ كيميائي بسيط هو النشاط الكيميائي النسبي للمعادن.

الذهب من المعادن النبيلة جدًا، أي أنه لا يتفاعل مع معظم المواد الكيميائية، بما في ذلك الأحماض المفردة مثل الهيدروكلوريك أو النتريك.

أما الحديد والنحاس فهما أكثر تفاعلاً ونشاطًا، ويمكن إذابتهما بسهولة في الأحماض لإنتاج أملاح قابلة للذوبان.

على سبيل المثال:

يتفاعل النحاس مع حمض النتريك (HNO₃) لتكوين نترات النحاس (Cu(NO₃)₂) مع انطلاق غاز ثاني أكسيد النيتروجين البني:

  • Cu + 4HNO_3 → Cu(NO_3)_2 + 2NO_2 + 2H_2O
  • Fe + H_2SO_4 → FeSO_4 + H_2↑

ثانياً: الأحماض المستخدمة في الفصل

1. حمض النتريك (HNO₃)
يُستعمل لإذابة النحاس والحديد وغيرهما من المعادن النشطة. وهو حمض مؤكسد قوي يعمل على تحويل المعادن إلى أكاسيد أو نترات قابلة للذوبان في الماء.

2. حمض الكبريتيك (H₂SO₄)
يُستخدم في بعض المراحل لتصفية الحديد خصوصًا، لأنه يهاجم الحديد دون أن يؤثر على الذهب.

3. الحمض الملكي (Aqua Regia)
هو خليط من ثلاثة أجزاء من حمض الهيدروكلوريك (HCl) وجزء واحد من حمض النتريك (HNO₃)، ويُعدّ الخليط الوحيد القادر على إذابة الذهب.
تعمل الأحماض معًا بحيث يطلق حمض النتريك الأكسجين اللازم لأكسدة الذهب، بينما يوفر الهيدروكلوريك أيونات الكلور لتكوين مركب رباعي كلوريد الذهب:

Au + 3HNO_3 + 4HCl → HAuCl_4 + 3NO_2 + 3H_2O

ثالثاً: خطوات عملية الفصل:

1. التحضير والطحن

يتم أولاً سحق خام الذهب الذي يحتوي على الحديد والنحاس إلى مسحوق ناعم، لتسهيل تفاعل الأحماض مع المعادن. كلما كان حجم الجزيئات أدق، زادت سرعة وكفاءة التفاعل الكيميائي.

2. إذابة المعادن النشطة

تُغمر العينة المطحونة في حمض النتريك المخفف أو في مزيج من النتريك والكبريتيك لإذابة الحديد والنحاس.
تنتج من هذه المرحلة أملاح معدنية مثل نترات النحاس وكبريتات الحديد، في حين يبقى الذهب غير متأثر في القاع على شكل مسحوق ثقيل لونه أصفر.

3. الترشيح والتنقية الأولية

بعد اكتمال تفاعل الأحماض، يتم ترشيح المحلول لفصل الراسب الصلب (الذهب) عن السائل الذي يحتوي على أملاح المعادن المذابة. ثم يُغسل الراسب جيدًا بالماء المقطر لإزالة أي بقايا حمضية.

4. إذابة الذهب في الحمض الملكي

الذهب المتبقي يُذاب في الحمض الملكي لتكوين كلوروذهب الهيدروجين (HAuCl₄)، وهو مركب ذائب في الماء يُمثل مرحلة وسيطة للحصول على الذهب النقي.
شاهد موضوعرخطوات استخراج الذهب بالماء الملكي: https://www.asrartaadin.com/2025/07/aqua-regia.html
5. ترسيب الذهب

لإعادة الذهب إلى حالته الصلبة، يُضاف إلى المحلول المختزل المناسب مثل ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) أو حمض الأكساليك، حيث يُرجع أيونات الذهب إلى فلز الذهب:

2HAuCl_4 + 3SO_2 + 6H_2O → 2Au↓ + 8HCl + 3H_2SO_4

رابعاً: المزايا والتحديات:

المزايا:

  • دقة عالية في الحصول على ذهب نقي.
  • إمكانية تطبيقها على عينات صغيرة أو مخلفات إلكترونية.
  • سرعة التفاعل مقارنة بالطرق الفيزيائية مثل التعويم أو الجاذبية.

التحديات والمخاطر:

  • استخدام أحماض قوية وسامة مثل حمض النتريك والحمض الملكي، مما يشكل خطرًا على العاملين.
  • انبعاث غازات سامة مثل ثاني أكسيد النيتروجين (NO₂) تتطلب تهوية جيدة.
  • خطر التلوث البيئي بسبب تصريف النفايات الحمضية في المياه أو التربة.
  • التكلفة المرتفعة لمعالجة المخلفات الحمضية واسترجاعها.

خامساً: بدائل وتقنيات حديثة:

في السنوات الأخيرة، ظهرت طرق صديقة للبيئة لفصل الذهب عن المعادن الأخرى، منها:

  • الاستخلاص الحيوي (Bioleaching): باستخدام بكتيريا قادرة على إذابة المعادن مثل Thiobacillus ferrooxidans.
  • التحليل الكهربائي (Electrorefining): حيث يُستخدم تيار كهربائي لفصل الذهب من المحاليل بدلاً من الأحماض.
  • المذيبات العضوية أو المحاليل الأيونية العميقة كبدائل أقل سمية من الأحماض التقليدية.
  • هذه التقنيات الجديدة ما زالت في طور التطوير لكنها تعد بديلاً واعدًا يقلل من التأثيرات البيئية.

الخاتمة:

إن فصل الذهب عن الحديد والنحاس بالأحماض عملية تعتمد على الخصائص الكيميائية الفريدة للذهب، وعلى استغلال فروق النشاط الكيميائي بين المعادن. وعلى الرغم من فعالية هذه الطريقة في الحصول على ذهب نقي، إلا أنها تتطلب معرفة دقيقة وإجراءات سلامة صارمة لحماية الإنسان والبيئة. ومع التقدم العلمي، يتجه الباحثون نحو تطوير تقنيات أكثر أمانًا وأقل ضررًا بالبيئة، لضمان استمرار استخراج الذهب بشكل مستدام ومسؤول

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال